في كل مرة تسمع فيها صفارة سيارة الإطفاء، تأكد أن رجلًا شجاعًا يترك خلفه طعامه، نومه، أو حتى لحظة عبادة، لينقذ روحًا أو يطارد ألسنة اللهب التي لا ترحم.
رجال الحماية المدنية ليسوا مجرد موظفين بزي رسمي، بل هم جنود النار، وملاك الأرض الذين اختاروا مواجهة الرعب في أقسى صوره.
هل تعلم أن رجل الحماية المدنية هو من أكثر الناس عرضة للاضطرابات النفسية، بسبب ما يشاهده من مشاهد الموت، والجثث، والعاهات التي تبقى محفورة في ذاكرته مدى الحياة؟
هل تعلم أن رائحة الجثث لا تفارق أنفه لأيام، ويشمّها حتى في طعامه، ومع ذلك يصبر ويكتم الألم؟
هل تعلم أن الجميع يهرب من قنينة غاز ملتهبة، بينما هو يحتضنها ولا يعلم هل سيخرج حيًا أم لا؟
هل تعلم أن بدلته النظيفة تتسخ بدماء المصابين وقيئهم، ولا يكترث لذلك، بل يضع قناع الأوكسجين بيده، أو بفمه، للمختنق، حتى لو ملأ الدم فمه؟
هل تعلم أن هذا "القاسي ظاهريًا" هو أسرع الناس دمعًا في الخفاء، ويملك قلبًا يتصدع تحت ضغط المواقف؟
هل تعلم أنه لا يعرف نومًا مستقرًا، ينهض على أي نداء، ويعيش دومًا في توتر دائم؟
هل تعلم أن أعظم ما يفرحه دعوة صادقة من قلب أم، أو ابتسامة امتنان من طفل نجا من الغرق؟
وأن أمنيته الكبرى ليست مالًا ولا شهرة، بل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح قبل أن يفارق الحياة؟
رجل الحماية المدنية قد يمكث في الغابات أو مواقع الكوارث لساعات طويلة، لا ينام، يقتات على قطعة خبز وشربة ماء، بينما البعض لا يصبر على تأخر وجبته لساعة.
عندما يسمع النداء، يترك اللقمة من فمه، يقطع الصلاة، يخرج من الحمّام مسرعًا، ويحتاج فقط لنصف دقيقة ليرتدي بزّته وينطلق.
في الوقت الذي يستمتع فيه الآخرون بعطلتهم الصيفية، يُحرم هو منها، لأن الصيف بالنسبة له موسم الحرائق والغرق، لا الاستجمام.
ووسط كل هذه التضحيات، يأتي من يبخس دوره، ويتهمه بالتأخر أو التخاذل، ويلصق به الصورة النمطية الجاهلة، دون أن يدرك شيئًا عن كواليس عمله، ولا عن الضغوط التي يعيشها في مجتمع لا يرحم.
فرفقًا برجال الحماية المدنية، رفقًا بمن خاطروا بحياتهم ليحفظوا حياة الآخرين.
شكرًا للأبطال... ربي يحفظكم ويكون في عونكم إن شاء الله.
أنتم الأبطال الحقيقيون الذين يستحقون كل التقدير والاحترام.
قد يهمك أيضا قرأة : ألوان الأرصفة في الشارع و ما تُشير إليه